عندما تخرج الخوارزميات أسوأ ما فيك.

بقدر ما تغريك العناوين الرخيصة والمثيرة للفضول في محركات البحث وبعض الشبكات الاجتماعية للضغط عليها حاول ألّا تفعل. قد تضعف مرة أو مرتان لأن العناوين قد كتبت بطريقة تلعب بعقلك وتشعل الفضول بداخلك حتى أقصى حد. إنّ الهدف من استفزازك بهذه الطريقة ليس من أجل تقديم مُحْتَوَى يفيدك- أو حتى يمتعك على أقل تقدير- بل من أجل عدد المشاهدات وعوائد الإعلانات. لا المنصة ولا صانع المحتوى يهتمّون بما ستستهلك من محتوى طالما أنك تستهلك و “العداد بيحسب”.

كمْ مرة ضغطت على أحد هذه الروابط ووجدت ما وعد العنوان أن يعطيك؟ أستطيع الجزم بأنه ولا مرة، لأن هذا يحدث معي دائمًا.:)

بناء منصات التواصل الاجتماعي وأسلوبها التجاري حول الإعلانات يعطي عدد المشاهدات والتفاعل أولوية قصوى فوق أي اعتبار آخر. لذلك يميلون لمكافأة صنّاع المحتوى الذي يجلبون أكبر عدد منها والذين بدورهم يحاولون بشتى الطرق- الأخلاقية واللّا أخلاقية- لاستمالة انتباهك فيدخل الجميع في حلقة شيطانية تزيد من سرعة دورانها- وبالتالي المكافأة- كلّما زاد المحتوى اضمحلالًا.

فعندما تريد الشبكة زيادة التفاعل والمشاهدات فإنها تتنازل عن أي أهداف سامية وتتلاعب بخوارزمياتها تجاه من يجلب لها مشاهدات أكثر. وصانع المحتوى بالمقابل الذي ينشر محتوى نافعا أو ترفيهيا عاديا قد يَضْطَرّ إلى نشر محتوى أقل جدّية أو مثير للجدل شيئًا فشيئًا ويتنازل عن موقفه حتى يُرضي هذه الخوارزميات اللّعينة التي لم تعد تقترح حسابه، ليعود للسطح فتزيد حظوظه في الشهرة أكثر.

المشكلة في هذا النمط أنه يدفع صانع المحتوى المحافظ والهادف- الذي قد يبذل جهدًا أكبر في صنعه- للإحباط من عدم اقتراح محتواه بشكل أكبر. فتصبح المنصة تروّج لأصحاب المحتوى السطحي والتافه، ويكثر صانعوه ويقل اقتراح غيرهم حتى تصير مساحة مسمومة وبغيضة- سناب شات كنموذج-.

لن أكتب هنا عن الآثار الاجتماعية أو النفسية للمستهلك- جراء الاستهلاك المستمر لهذا المحتوى- ولكنّها دعوة مني لك لأن تكون يقضًا عند استخدامك شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث ومحاولة استكشاف ألاعيبهم قبل أن تقع ضحيّتها.

نصيحة لصانع المحتوى الجاد

إذا كان المحتوى الذي تنشره ذا قيمة وهدفك سام من نشره فأدعوك ألّا تسلّم مصيرك لهذه الشبكات الاجتماعية. نعم قد تعطيك الوصول لجمهورك المستهدف بسهولة لكن لا تعتمد عليها كليًّا. استخدمها بالقدر الذي يمكّنك من التواصل مع أقرانك ومعرفة جديد المجال أو للتسويق لمنشورات منصتك الخاصة. اصنع قناة تواصلك مع جمهورك مباشرة وأملك المنصة – قدر الإمكان – التي تنشر عليها. فعندها لا خوارزميات تلعب بك ولا أقنعة تحتاج أن تلبسها لترضي هذه المنصّات.

عندما تملك منصتك التي تنشر عليها – كالمدوّنات أو النشرات البريدية – فأنت تريح عقلك من التفكير في إرضاء خوارزميات شيطانية والتركيز على الأهم؛ صنع المحتوى. لن تضطر للتنازل عن مبادئك ولا أفكارك ولا التخلّي عن نفسك لتلبس قناعًا مختلفًا كلّما تغير هدف الشركة أو قلّ إيرادها. ولن تخاف من أن تفقد ما نشرت عليها لأن الشركة أفلست وقررت إيقاف خدماتها.

العقدان الماضيان كانا بامتياز عقدي الإعلانات والشبكات المدعومة بالمحتوى. العقد القادم سيكون لصناع المحتوى المستقلين بفكرهم وعتادهم.

اشترك في الموقع

اقرأ واصنع وشارك.

• • • • • •
• • • • • •
• • • • • •

استقبل جميع مقالات المدوّنة على بريدك فور نشرها

انضم مع 385 مشترك

إذا أعجبتك هذه المقالة يسعدني اشتراكك في نشرتي البريدية بكتابة بريدك بالأسفل أو اقرأ الأعداد السابقة. كما يسعدني متابعتك لي على تويتر.


Posted

in

by

Comments

اترك ردًا